Thursday, July 28, 2016

محمد عبده رائد الاصلاح المصري

لم يكن الإمام محمد عبده صاحب سبيل نهضوي واحد، بل تعددت سبله فشملت الكثير والكثير من سياسة واجتماع وغيره، ولكنه خالف أستاذه جمال الدين الأفغاني الذي تأثر به كثيرا، عندما كان مراده وجم فكره وتوجهه إلى النهضة العلمية، إذ كان يرى أن النهضة الفارقة في العالم الإسلامي لن تتم إلا بإصلاح التعليم، وهذا على عكس أستاذه الأفغاني الذي كان يرى أن السبيل إلى النهضة لن يأتي إلا بثورة سياسية، فاختلفت الرؤى من نظرة لأخرى.
مولده وفكره واتجاهه الثوري
كانت ومازالت للإمام محمد عبده مكانته الكبيرة في الفكر الإسلامي عامة والمصري بخاصة، فهو الذي مدنا بفكر سياسيا فريد متأثرا فيه بأستاذه الأفغاني، هذا إلى جانب حركته الوطنية البارزة، لقد مثل الامام تيارا من التيارات السياسيه والفكريه التي ظهرت لتعبر عن شكل او اخر من اشكال الاستجابه لعملية التحول في مختلف جوانب المجتمع وهو التيار الاسلامي التجديدي، وفي داخل هذا التيار عبر عن منهج واسلوب متميزين وقد كان المحور الرئيسي وراء أهدافه هو النزعة إلي التجديد.
جاء مولد محمد عبده حسن خير الله عام 1266هـ/1849م في قرية محلة نصر بمحافظة البحيرة لأب تركمانى وأم مصرية تنتمي إلي قبيلة بني عدي العربية، فدرس بطنطا إلى ثم التحق بالجامع الأحمدي، ثم التحق بالجامع الأزهر، وبعد أن حصل على شهادة من الأزهر عمل مدرسا للتاريخ في مدرسة دار العلوم.
لما كان منهج محمد عبده متفتحا وإصلاحيا يرفض العنف والتصادم، جاء موقف من الثورة العرابية موقفا مذبذبا يشوبه الشك ـ وإن كان هذا في البداية فقط ـ إلا أنه شارك في النهاية في الثورة العرابية، وبعد الثورة حكم عليه بالسجن ثم نفي إلى بيروت لمدة ثلاث سنوات، ثم سافر بدعوة من أستاذه جمال الدين الأفغاني إلى باريس، غير أنه يعد مؤسس صحيفة العروة الوثقى التي بعد أن غادر من باريس إلى بيروت، أسس جمعيته التي جاءت لتحمل نفس الاسم الذي حملته الصحيفة.
محمد عبده ورؤيته للتعليم
كانت نظرة محمد عبده للإصلاح التعليمي والتربوي نظرة بارزة، ويرى أنها السبيل لا بد من طرقه حتى نصل للإزدها المرجو عامة ولا سيما الفكر السياسي، فظهر من آراءه حول هذا الموضوع أنه يقصد التعليم المدني والديني على السواء، كما أشار إلى أن يكون الدين أساسا للتربية.
ومن خلال نظرته الإصلاحية قسم النظام التعليمي إلى مراحل من خالها نصل لثلاثة طبقات تعليمية وهم العامه والساسه والعلماء، وظهر اهتمامه بالفئة الأخيرة أكثر من دونها، ثم يحث محمد عبده الطبقة الثرية على القيام بدورها في تمويل وإنشاء المدارس، من ثم يظهر تبنيه لمبدأ التكافل الاجتماعي، ودور القادرين والمالكين تجاه الوطن، غير أنه اعتبر الإصلاح التربوي سبيلا للإصلاح السياسي، كما قال إنه حاول اقناع جمال الدين الافغاني وهما في باريس بهجر السياسة والتركيز علي التربيه ولكن الأفغاني رفض ذلك.
أما عن الأزهر وتجديده فقد شن هجوما شديدا علي الدراسة فيه، ونادي بإدخال العلوم العصرية، وذلك سعيا لربط علماء الدين بمواكبة العصر، فهو لم يناد بالدراسة الدينية المنفصلة عن الدراسة المدنية بل سعي لتطوير الأزهر لا ليجعل منه جامعة مدنية؛ ولكن ليؤهل خريجيه للتعرف علي العلوم العصرية من منظور إسلامي.
ومن الجدير ذكره أنه وضع أمله الأكبر في دار العلوم لإصلاح الأزهر، بل ذهب إلى القول بإحلالها محل الأزهر، مما تسبب في عداء بينه وبين رجال الأزهر المحافظين.
محمد عبده والفكر الديني
ظهرت جرأة محمد عبده في التجديد في الفكر الديني بشكل ملحوظ، فكان من أوائل ما نادوا بتحرير الفكر من التقليد وفهم الدين علي نهج سلف الأمه، وأشاد بالعقل ونظر إليه على أنه أفضل القوى الإنسانية وأفضل ما خلق الله.
واجه في تجديد للفكر الديني تيارين كان لهما نصيب الأسد في استقطاب عقول الإمة الإسلامية ولا سيما المثقفين منها وهما تيار الجمود في إطار الظلام الفكري، وتيار التغريب القائم علي العلمانيه وضرورة الأخذ بالحضارة الغربية، والنظر إلى الدين الإسلامي علي أنه لا يواكب العصر، فهدف في تجديده إلى الربط بين الإسلام والمعاصره، وتوضيح التواؤم بين الإسلام ومتطلبات العصر واستخدم الشيخ محمد عبده مقاييس عقلانيه لإحداث مظاهر التجديد في جوانب الفكر الإسلامي فسعى لتقديم صورة للإسلام الصحيح الذي يواكب العصر، وصب جم تركيزه على الفهم والإدراك للدين لا مجرد التفقه فيه.
من ثم تلخصت دعوة الإصلاح الديني لديه في ثلاثة أمور وهي دعوته إلى تحرير الفكر من قيد التقليد وعدم خضوع العقل إلا لسلطان البرهان بحيث لا يتحكم فيه أحد، تلازم الدين والعلم وترابطهم وعدم الصدام بينهم لأن الهدف الرئيس هو تقدم الإنسان بتقديم العون له والدين والعلم كل منهم يؤدي دوره فلا غنى لهذا عن ذاك، العودة إلى سماحة وبساطة الإسلام الأولى بحيث أن تغترف من المنبع وبذلك نذيب الخلاف الذي وقع بظهور الفرق المختلفة.
وخلاصة الأمر أن الأمام قد بين أهمية الوعي بمسار التطور التاريخي، والتركيز علي دور العقل في مجال فهم الاسلام فهما صحيحا ومن ثم نادي بضروره العوده إلى منبعه واستخدام العقل الذي يتمتع به الإنسان في فهم الاسلام.
وفي الحادي عشر من يوليو عام 1905م/ السابع من جمادى الأولى 1323هـ رحل عنا الفيلسوف الديني محمد عبده، مخلفا ورائه جيلا عظيما من تلامذته كانوا هم امتدادا لنهضته العظيمة، ومنهم طه حسين، سعد زغلول، محمد مصطفى المراغي، مصطفى عبد الرازق، محمد محيي الدين عبد الحميد.
بقلم : محمد أحمد القشلان

No comments:

Post a Comment