Tuesday, April 14, 2015

قطيعة الازهر للامام محمد عبده

قطيعة معرفية كاملة.. هذا ما يمكن أن نصف به موقف الأزهر اليوم تجاه فكر الإمام محمد عبده وتراثه في التفسير والفقه والإصلاح الديني، فالمناهج الدراسية الأزهرية لا تحوي حرفا واحدا مما خطه الإمام، أو مما كتبه الرواد من تلامذته ومن ساروا على دربه، حتى هؤلاء الذين تولوا منصب المشيخة الكبرى: المراغي وعبد الرازق وشلتوت.
ولا يقتصر الموقف من محمد عبده على قطاع المعاهد الأزهرية، بل يمتد إلى الجامعة، والدراسات العليا، فرسائل الماجستير والدكتوراه تقاطع تراث الأستاذ الإمام، ولا يسمح للدارسين بتناول الرؤى التجديدية والإصلاحية لعبده إلا في معرض النقد والتحذير.
لقد امتد الأثر الكبير لمحمد عبده داخل الأزهر عبر عقود، ثم أخذ هذا الأثر طريقه نحو الضعف والذبول بعد أن أصبحت أبواب مصر مفتوحة أمام الفكر الوهابي الصحراوي المدعوم بأموال النفط، وسيطر الفكر السلفي على المعاهد الأزهرية الممتدة في القرى والنجوع، مع تلاش لدور ووجود أصحاب الفكر الأشعري الذي ساد المؤسسة الأزهرية لعقود متواصلة.
ومما يعجب له متابع الشأن الأزهري، أن رسالة التوحيد لمحمد عبده كانت مقررة على المرحلة الثانوية في الأزهر خلال حقبة الأربعينات والخمسينات، وخرجت أجيال أزهرية بعد أن درست تلك الرسالة شديدة الأهمية، في محتواها ومنهجها، حيث التعامل الجريء مع أهم مسائل الأصول والعقيدة، وهو ما يمنح صاحبه اتساعا وجرأة في التعامل مع التفسير والفقه والفكر الديني العام.
إن طالبا في المرحلة الثانوية الأزهرية، يدرس تفسير فاتحة الكتاب، من خلال المناهج التقليدية التي ترسخ في وعيه وبثقة مطلقة أن “المنعم عليهم” هم المسلمون، وأن “المغضوب عليهم” هم اليهود، وأن “الضالين” هم النصارى، سيكون في الغالب أميل إلى رفض أصحاب الأديان الأخرى، ولا قدرة لديه نفسيا وذهنيا على التعايش الحقيقي مع من لا ينتمي إلى دينه.
في المقابل، يقدم محمد عبده فهما أكثر إشراقا وقربا لآيات الفاتحة، فيرى أن أصناف المنعم عليهم، والمغضوب عليهم، والضالين، موجودون في كل الأمم، وبين أتباع كل الأديان، فالمنعم عليه، هو من توصل إلى ما يعتقد أنه الحق عبر تفكر وتأمل، وخضوع للأدلة والبراهين القطعية، بينما ينتمي إلى المغضوب عليهم، من اقتنع بدين أو فكر، واطمئن إلى حقيقته، ثم أعرض عنه استكبارا عن الدليل والبرهان، أما الضالون، فهم الحائرون، الذين لم يصل بهم البحث والتأمل إلى شاطئ يرسون عليه، ويرى الأستاذ الإمام أن هؤلاء الحائرين الضالين هم من الناجين السعداء في الآخرة.
ولا شك أن اعتماد فهم محمد عبده للآيات، يمنح أبناء المؤسسة الأزهرية مكسبين رئيسين: الأول، يتمثل في حالة من الانفتاح تجاه أصحاب الأديان الأخرى، أو حتى تجاه من لا يؤمن بدين، والتخلص من المشاعر السلبية، والفتاوى الهدامة، وإهدار الدماء بالتكفير عقائديا ومذهبيا، والثاني، يتمثل في تشجيع البيئة العلمية على التعامل الجريء من نصوص القرآن، وفق قواعد اللغة العربية، والتحرر من الموروث المقيد لإعمال العقل في النص الديني.
يتحمل شيوخ الأزهر المتعاقبون خلال العقود الأربعة الأخيرة مسؤولية كبيرة في إقصاء وتهميش وإبعاد أفكار الإمام محمد عبده عن الأزهر ومناهجه ودراساته العليا، لحساب أفكار الجمود والتقليد، وصولا إلى المرحلة الأخيرة التي ساد فيها التكفير والغلو وتبني رؤى العنف بين أبناء الجامعة الأزهرية طلابا كانوا أم أساتذة، لكن أمانة الرصد تقتضي أن نقر أن مشايخ الأزهر اختاروا هذا الطريق، بعد أن هيئته الدولة، وانحازت له، لاسيما في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ومشيخة عبد الحليم محمود، ثم عبد الرحمن بيصار، فجاد الحق علي جاد الحق، فمحمد سيد طنطاوي، وأخيرا أحمد الطيب.
ومع إهمال تفسير الإمام وفتاواه وجهوده في الإصلاح التي استحق بها أن يكون رأس النهضة الفكرية المصرية الحديثة، لم يبق من محمد عبده في الأزهر إلا قاعة تحمل اسمه، لكن أموال النفط الخليجي أنشأت داخل الأزهر مركزا لما يسمى الاقتصاد الإسلامي، يحمل اسم رجل الأعمال السعودي صالح كامل! في إشارة واضحة إلى أن الجامعة الإسلامية الأهم في العالم، والمرجعية الكبرى للسنة في أرجاء الأرض أصبحت دائرة في فلك الأموال السعودية، والفكر الوهابي.. وهو ما يدفعنا لاستحضار البيت الشهير للإمام محمد عبده: ولكن دينا أردت صلاحه.. أحاذر أن تقضي عليه العمائم
بقلم هيثم ابوزيد.

No comments:

Post a Comment